عجب العاقل بعقله – من تغريدات الحارث المحاسبي 26

قُلْتُ: فَالْعُجْبُ بِالْعَقْلِ وَالذِّهْنِ وَالْفِطْنَةِ؟

قَالَ: اسْتِحْسَانُ ذَلِكَ وَاسْتِعْظَامُهُ وَنِسْيَانُ النِّعْمَةِ بِالتَّفَضُّلِ بِهِ وَالِاتِّكَالُ عَلَيْهِ أَنْ يُدْرِكَ بِهِ مَا يُرِيدُ وَمَا يُؤَمِّلُ مِنْ عِلْمٍ أَوْ رَأْيٍ أَوْ أَحْكَامِ دِينِ اللَّهِ -عَزَّ، وَجَلَّ!- أَوْ دُنْيَا، وَتَرْكُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ -عَزَّ، وَجَلَّ!- فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، حَتَّى يُخْرِجَهُ ذَلِكَ إِلَى قِلَّةِ التَّثَبُّتِ لِإِعْجَابِهِ بِعَقْلِهِ حَتَّى يُخْطِئَ فِي دِينِ اللَّهِ -عَزَّ، وَجَلَّ!- وَيَقُولَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَيُخْرِجَهُ أَيْضًا إِلَى تَرْكِ التَّفَهُّمِ مِمَّنْ عَلَّمَهُ أَوْ أَمَرَهُ أَوْ نَاظَرَهُ، حَتَّى يُحْرَمَ الْفَهْمَ لِلْحَقِّ وَيَأْبَى إِلَّا الْقَوْلَ بِالْخَطَأِ وَالْغَلَطِ، وَيُخْرِجَهُ إِلَى حُقْرِيَّةِ مَنْ دُونَهُ مِمَّنْ لَمْ يُعْطَ مِنَ الْفِطْنَةِ مِثْلَ مَا أُعْطِيَ -وَإِنْ كَانَ أَوْرَعَ مِنْهُ وَأَفْضَلَ عَمَلًا- حَتَّى يُسَمِّيَ كَثِيرًا مِمَّنْ هُوَ أَوْرَعُ مِنْهُ وَأَفْضَلُ مِنْهُ، جُهَّالًا حَمْقَى، وَيَرَاهُمْ كَالْحَمِيرِ الَّتِي لا تَعْقِلُ -إِذْ فُضِّلَ عَلَيْهِمْ بِالْفِطْنَةِ وَالذِّهْنِ- وَيَسْتَطِيلَ عَلَيْهِمْ، وَيَرَى أَلَّا قَدْرَ لَهُمْ، وَيَسْتَصْغِرَ مَا عَمِلُوا مِنْ خَيْرٍ، وَيَرَى أَنَّه خَيْرٌ مِنْهُمْ -وَإِنْ ضَيَّعَ الْعَمَلَ- لِفِطْنَتِهِ وَلِعَقْلِهِ!

قُلْتُ: فَبِمَ يَنْفِي ذَلِكَ؟

قَالَ: بِمَعْرِفَتِهِ بِجَهْلِهِ -مَهْمَا أُعْطِيَ مِنَ الْفِطْنَةِ- وَبِسَهْوِهِ وَغَفْلَتِهِ وَقِلَّةِ مَا يَدْرِي بِعَقْلِهِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْفِطْنَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أُعْطِيَ غَيْرُهُ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الشُّكْرُ وَتَوْكِيدُ الطَّاعَةِ بِاللُّزُومِ لَهَا. وَإِنَّمَا فُضِّلَ بِالذِّهْنِ لِتَعْظُمَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ -وقعت هنا بالنص عبارة “وَتَوْكِيدُ الطَّاعَةِ بِاللُّزُومِ لَهَا”ØŒ والصواب إن شاء الله موقعها الذي أثبت- وَلِيَنْظُرَ اللَّهُ -عَزَّ، وَجَلَّ!- كَيْفَ اسْتِعْمَالُهُ لِعَقْلِهِ فِي الْفَهْمِ عَنْهُ وَالِاشْتِغَالِ بِهِ. وَإِن مَا أُعْطِيَ مِنَ الْعَقْلِ بِيَدِ اللَّهِ -عَزَّ، وَجَلَّ!- لَوْ شَاءَ أَنْ يُغَيِّرَهُ وَيُزِيلَهُ بِبَعْضِ الْآفَاتِ كَمَا رَآهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَمَنْ هُوَ فَوْقَهُ، لَفَعَلَ؛ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَسْلُبَهُ اللَّهُ -عَزَّ، وَجَلَّ!- عَقْلَهُ. فَإِذَا عَرَفَ ضَعْفَهُ وَجَهْلَهُ وَقِلَّةَ مَا يُدْرِكُ بِعَقْلِهِ، وَأَنَّ مَا فُضِّلَ بِهِ مِنَّةٌ مِنْهُ، عَلَيْهِ فِيهِ الشُّكْرُ وَعَظِيمُ الْحُجَّةِ وَوُجُوبُ الْحَقِّ، وَأَنَّهُ لِذَلِكَ مُضَيِّعٌ- فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْتَ مِنَ الْفِطْنَةِ مِثْلَ مَا أُوتِيَ، أَحْسَنُ حَالًا مِنْهُ إِذْ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ -عَزَّ، وَجَلَّ!- عَلَى مَا فَضَّلَهُ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْهَا عَلَى مَنْ دَونَهُ. وَقَدْ يَرَى كَثِيرًا مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْفِطْنَةِ أَطْوَعَ لِلَّهِ -عَزَّ، وَجَلَّ!- مِنْهُ، وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْلُبَهُ اللَّهُ -عَزَّ، وَجَلَّ!- عَقْلَهُ، إِنْ ضَيَّعَ الْقِيَامَ لِلَّهِ -عَزَّ، وَجَلَّ!- بِهِ فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الْفَهْمِ عَنْهُ وَالْعَقْلِ عَنْهُ وَالْعَمَلِ بِهِ- فَإِذَا أَلْزَمَ قَلْبَهُ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ زَالَ الْعُجْبُ، وَخَافَ عَظِيمَ الْحُجَّةِ وَوَاجِبَ الْحَقِّ، وَاهْتَمَّ بِالشُّكْرِ وَأَدَاءِ الْحَقِّ.

 

Related posts

Leave a Comment